اختراق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية: تداعيات التعديات الإسرائيلية على قطاع غزة وممر فيلادلفيا
بقلم مختار أبوالخير
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تطفو على السطح تساؤلات جادة حول مدى التزام إسرائيل ببنود معاهدة السلام الموقعة مع مصر عام 1979، خاصة في ضوء التحركات العسكرية الأخيرة التي تشمل ليس فقط السيطرة على ممر فيلادلفيا، بل أيضاً التمدد نحو أجزاء من قطاع غزة. هذه التطورات تثير إشكالية قانونية وسياسية حول انتهاك الحدود المصونة الواردة في المادة الثانية من المعاهدة، والتي تُعَدّ العمود الفقري للاتفاقية.
الخلفية التاريخية:
أبرمت مصر وإسرائيل معاهدة السلام في أعقاب مفاوضات كامب ديفيد، حيث نصت المادة الثانية على اعتراف الطرفين بالحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، مع تأكيد حرمة أراضي كل دولة وعدم المساس بوضع قطاع غزة. وقد تضمن الملحق الثاني خريطة تفصيلية للحدود، مما يجعل أي تعديلات عليها خرقاً صريحاً للاتفاقية.
طبيعة الاختراق الإسرائيلي:
وفقاً لتحليلات قانونية، لا تقتصر التعديات الإسرائيلية الحالية على السيطرة المؤقتة على ممر فيلادلفيا الاستراتيجي، بل تمتد إلى وجود عسكري في مناطق شمال وجنوب ووسط قطاع غزة. وهذا يتناقض جوهرياً مع نص المادة الثانية التي تحظر انتهاك سلامة أراضي الطرفين، بما في ذلك غزة ككيان جغرافي متكامل.
ويشير خبراء في القانون الدولي إلى أن مجرد احتلال أجزاء من القطاع—حتى لو كان مؤقتاً—يُعدّ خرقاً للمعاهدة، خاصةً أن النص أشار صراحةً إلى "قطاع غزة" كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة.
الدور الأمريكي: بين الضمان والانحياز:
تثير التطورات الأخيرة تساؤلات حول دور الولايات المتحدة كـ"ضامن" للمعاهدة. فالدعم السياسي والعسكري الأمريكي المستمر لإسرائيل، دون إدانة واضحة لهذه التعديات، يُنظر إليه على أنه تقاعس عن الالتزام بدور الوسيط المحايد. وقد علّق محللون سياسيون بأن واشنطن توازن بين حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، لكن صمتها يُفاقم أزمة الثقة في آليات الإنفاذ الدولي.
تداعيات مستقبلية:
1. **شرعية المعاهدة:** إذا استمرت إسرائيل في تجاهل التزاماتها، قد تدفع مصر إلى مراجعة بنود الاتفاقية أو المطالبة بضغوط دولية لإعادة فرض الاحترام المتبادل.
2. **الاستقرار الإقليمي:** التصعيد في غزة قد يؤجج مواجهات أوسع، خاصة مع وجود قوى فاعلة غير دولة في المنطقة.
3. **المصداقية الدولية:** فشل الضامنين في تحقيق الامتثال للقانون الدولي يُضعف هيئة الأمم المتحدة والقواعد المنظمة للعلاقات بين الدول.
رؤية الخبراء:
يؤكد د. أحمد عبد الله، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة: "المعاهدة واضحة: أي تغيير في وضع غزة دون اتفاق مصر يُعتبر انتهاكاً. التحركات الإسرائيلية اليوم تخلق سابقة خطيرة لتآكل الشرعية التاريخية للاتفاقيات".
من جهته، يرى أوري بارام، محلل إسرائيلي، أن "إسرائيل تتعامل مع غزة ككيان منفصل عن الاتفاقية، لكن هذا التفسير يفتقر إلى السند القانوني".
خاتمة:
في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية عميقة، تظل معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل حجر الزاوية للأمن الإقليمي. إلا أن استمرار التعديات الإسرائيلية—بدعم أمريكي صامت—يُهدّد بزعزعة هذا التوازن الهش. يتطلب الأمر تحركاً دبلوماسياً مصرياً مكثفاً لعرض القضية على المحافل الدولية، وتذكير العالم بأن السلام الحقيقي يُبنى على الاحترام المتبادل، لا على انتهاك السيادات.
تعليقات
إرسال تعليق