خطوط حمراء وألغام سياسية: صراع السيطرة على غزة في مواجهة المبادرة المصرية"
بقلم: مختار أبوالخير
في خضم تصاعد الأزمات الإنسانية في غزة، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية باجتياح شامل لمدينة رفح، تطفو على السطح معادلةٌ سياسيةٌ معقدة تتداخل فيها المواقفُ الإقليمية مع المطالب الدولية. فبينما تُصر إسرائيل على تفكيك بنية حماس العسكرية كشرطٍ لأي اتفاقية وقف إطلاق نار، ترفض الحركة الفلسطينية التنازل عن سلاحها، معتبرةً إياه "خطاً أحمر" وضمانةً لبقائها كفصيلٍ فاعل في المعادلة الفلسطينية.
من جهتها، قدمت مصر مبادرةً وساطةٍ تُعيد رسم خريطة التفاوض، وفقاً لمصادر مطلعة. تقترح القاهرة ضمان "ممر آمن" لقادة حماس خارج القطاع، مع تخزين أسلحة الحركة تحت إشرافٍ مصريٍ كامل، على أن تُسلَّم لاحقاً للسلطة الفلسطينية بعد إعلان الدولة المستقلة. وتربط المبادرة بين انسحاب إسرائيل الكامل من غزة، ووقف العدوان، وبدء عملية إعمارٍ دولية، مقابل انتقالٍ تدريجيٍ للسلطة إلى حكومةٍ فلسطينيةٍ توافقية.
لكن حماس، التي تُمسك بخيوط الحكم في القطاع منذ 2007، ترفض المبادرة جملةً وتفصيلاً. وأكد مسؤولٌ فيها لـ"هيئة التحرير": "لا تنازل عن السلاح أو السلطة. غزة جزءٌ من الوطن الفلسطيني، ولن نسمح بتحويلها إلى كيانٍ منفصلٍ تُهندسه إسرائيل". فيما حذّر مصدرٌ مقربٌ من صناع القرار المصري من أن "التعنت سيدفع إسرائيل إلى تصفية الوجود الحضري في غزة كلياً، وضم الأراضي كما فعلت في رفح"، مشيراً إلى أن القاهرة "لن تتخلى عن الفلسطينيين، لكن عليها موازنة ضغوط التمويل الدولي لإعادة الإعمار".
في هذا السياق، تواجه مصر معضلةً دبلوماسية: فمن جهة، تُعارض علناً أي عملية تهجير قسريٍ نحو سيناء، وتعتبر أمنها القومي "خطاً أحمر"، ومن جهةٍ أخرى، تُطالبها واشنطن وحلفاؤها بضبط خريطة التفاوض عبر استخدام نفوذها مع حماس. وفي تصريحٍ غير مباشرٍ، نقلت قناة "القاهرة الإخبارية" عن مسؤولٍ رفيعٍ قوله: "الثقة تُبنى بالحكمة. ندعو الأطراف إلى تمكين الوسيط من أدواته قبل فوات الأوان".
أما العقدة الأكبر فتكمن في المأزق الإنساني، حيث يتساءل مراقبون: "إذا كان بقاء حماس في الحكم يعني استمرار الحروب وحرمان مليوني مدني من إعادة الإعمار، فهل من العدل تحميلهم فاتورة الخيارات السياسية؟". بينما يُجيب طرفٌ فلسطينيٌ معارضٌ: "المقاومة حقٌ، لكنها لا تعني احتكار الشرعية على أنقاض الناس".
تبقى الكرة الآن في ملعب الوسيط المصري، الذي يوازن بين سندان الموقف الإسرائيلي المتصلب، ومطرقة رغبة حماس في البقاء. فهل تُفلح القاهرة في انتزاع صفقةٍ تحول دون تحويل غزة إلى ساحة حربٍ مفتوحةٍ، أم أن المنطقة مقبلةٌ على تغييراتٍ جيوسياسيةٍ لم تُحسب حساباتها بعد؟ السؤال يُلقي بظلاله على مفاوضاتٍ تُجرى خلف الكواليس، بينما تُنذر ساعة الصفر بكارثةٍ إنسانيةٍ جديدة.
تعليقات
إرسال تعليق