الجهل والكارثة الكبرى
بقلم : هبة المنزلاوي
الجهل هو اتخاذ مواقف عشوائية نحو الأشياء والموجودات، ووضعها في صندوق مغلق مما يؤدي إلى عزلها عن المحيط الذي يجب النظر إليها من خلاله ومن ثَمّ إجراء اختبارات صحتها من عدمه ،
أو يعني غياب الإدراك العقلي للأشياء والموجودات وقبول الأحداث على علتها، و رؤيتها جزئياً أو ظاهرياً دون فحصها والتمحيص فيها ودراسة جوانبها المختلفة
وللجهل عناصر:
-الجاهل :هو عقلية غير واعية ،وتفتقر إلى الذكاء الاجتماعي وربما لم يحصل على قدر كافٍ من التعليم والمعرفة تُقاد ولا تقود وتلحق بالمعطيات الموجودة دون التفكير فيها، ودراستها وكذلك تصدق على المفاهيم و الآراء المختلفة دون التأكد من صدقها ومعرفة النتائج المترتبة عليها
- المضَلِّل أو المستغِل هو عقلية هدامة تسعى وراء تضليل الأفراد والجماعات، ومنعهم من معرفة الحقائق و فهم المجتمع الذي يعيشون فيه ويعملون على إبعاد الأشخاص عن هويتهم الذاتية ،وزرع الرغبة الانقيادية بداخلهم كي يكونوا آلة لا تعمل إلا من خلالهم.
أو هو عقلية مستغِلة للأشخاص الغير واعية والتي لا تعرف كيف تفكر و تعاني من مشكلات اجتماعية ،وكذلك عجز ثقافي وعلمي ممّا يساعدهم على التغلغل بداخل عقولهم الضعيفة والتحكم فيها لخدمة مصالحهم وأهدافهم ،وربما يبعد الهدف إلى خلق جيل عاجز عن التفكير وجاهل بذاته ومجتمعه مما يؤدي إلى هدم المجتمع وجعله فريسة للمصالح الخارجية وبالتالي محو تأثيره والقضاء على هويته القومية.
- البيئة العشوائية وهي البيئة الملائمة لنمو الجهل وذلك من خلال توافر الظروف السلبية التي تساعد على التقارب بين الجاهلين والمستغلين ،وتحقيق عملية التواصل بينهم مثل: ارتفاع نسبة الأمية ،وزيادة البطالة والفقر، وغيرها؛ فالبيئة العشوائية تمهد لخروج الفعل الانتهازي من المضَلل إلى الجاهل الذي اختلطت عليه الأمور، وعجز عن صنع شخصيته المستقلة والتفكير السليم الذي يخرج من دائرة الوعي الناتج عن عملية التعارف البيئية الذي لم يقم بها في الأساس مما يسهل على المضلل استغلاله ،وعرض أفكار ومعتقداته الهدامة فتحدث عملية الاستجابة خاصة لو كان الجاهل يحتاج إلى المساعدة ،و يعاني من بعض المشكلات فتسهل السيطرة عليه و تضليله و إيقاف عقله عن التفكير تماماً وتفاعل معتقدات المستغل بداخله وكأنه هو الذي يفكر بدلاً منه، فالجاهل يراه منقذه ولكنه في الحقيقة القاتل الخفي الذي جاء ليقتل كافة الفرص أمامه ويقضى على كل الاحتمالات التي من شأنها تحويله إلى دائرة الوعي وإدراك ذاته و حقيقة مجتمعه
ومن أسباب انتشار الجهل في المجتمعات العربية:
-إهمال الدول للعلم والعلماء وقلة الإنفاق على المشاريع، والبحوث العلمية، وعدم توافر الأدوات والميزانية اللازمة والكافية، في بلداننا العربية للعلماء ووضعهم في المكانة التي تليق بهم أي الافتقار إلى الناتج العربي الخالص وبناء القدرات العلمية الذاتية، فهناك فارق شاسع بين ناتج مجموع البحوث العلمية في البلدان العربية والناتج في بلدان مثل: ماليزيا أو كوريا الجنوبية، أو الكيان الصهيوني؛ فالكثير يعتقد أن القوة الصناعية والتكنولوجية، والعسكرية للكيان الصهيوني ترجع إلى الدعم الأمريكي والمساعدات المقدمة له، ولكن في واقع الأمر هذا بسبب ما يخصصه من ميزانية كبيرة و إنفاق مالي هائل على البحوث العلمية، أما الدول العربية فتخصص من ناتجها المحلي أقل من عشر ما يخصصه الكيان الصهيوني كما أن الدول العربية تعجز عن التعامل مع العلم والتقنية بشكل صحيح فهي تواجه صعوبة في استثمار نتائج البحوث القليلة لمعالجة المشكلات المختلفة و تطوير البيئة صناعيا ،وزراعيا، وخدميا فتلجأ إلى الكادر الأجنبي بدلاً من الاستفادة من الخبرة المحلية، وتطوير قدراتها من مما يؤدي إلى النهوض بالعلم والتقانة من جانب وتحسين اقتصادياتها من جانب آخر من خلال الدمج بين العلم والتقنية.
-غياب دور وسائل الإعلام: فالإعلام ظاهرة اجتماعية قديمة من شأنها الاستجابة لحاجات المجتمع وتحقيق وظيفتها التنويرية ،ولكننا نجد الآن أن وسائل الإعلام بدأت تنحرف عن مصداقيتها أمام الجماهير و القيام برسالتها المهنية التي تهدف إلى توعية المجتمع وتنوير الأفراد والجماعات ومشاركتهم بالحقائق ،وكذلك عرض مشكلاتهم ومطالبهم بشفافية، فنرى أن وسائل الإعلام في المجتمعات العربية أصبحت وسيلة من وسائل التضليل أكثر من أنها وسيلة تنويرية وربما تفعل ذلك لخدمة أهداف جهات معينة أو مصالح شخصية ،مما أدى إلى اختلاط الحقائق بالشائعات وبالتالي سقوط العقل في نفق مُظلم لا يعي ما يحدث حوله ولا يستطيع إثبات ذاته، أو الحصول على مبررات لما يحدث، تساعده في تحديد مسار مستقبله و حياته وتكوين الأفكار الصحيحة والواعية في شكلها الكلي وليس الجزئي فبدلاً من أن تحافظ على المجتمع فهي تضع السكين تحت عنقه
- عدم فهم الدين بشكل صحيح :فهناك مَن يستغل الدين لتضليل الأفراد من خلال إحلال مفاهيم دينية ذات طابع منطقي محل مفاهيم دينية صحيحة ولكنها ناقصة في وعي الأفراد
ممّا يؤدي إلى ضعفها وإهمال استيعابها وبالتالي سهولة استبدالها بأخرى، وهنا يأتي دور المضلل من خلال استخدام الفراغ الديني لدى الفرد فيبتعد
الفرد تدريجياً عن المسار الصحيح و يتحول إلى الجهل الكلي الذي ربما يصنع منه متطرفا في حال تعمقه بداخل المفاهيم الدينية المصطنعة له من قبل المستغلين للعقول والتي من شأنها إخراج العقل من دائرة الوعي الذاتي كليا إلى دائرة الانقياد وراء الفكر المتطرف ، ومنعهم من التفكير السليم بل واستيعاب مبادئ دينهم الحقيقية .
ويدخل ضمن أسباب البعد عن الدين ومعاناة المجتمع من الجهل والتخلف: الخلل الأخلاقي الذي ينتج عن الأعمال الفنية الهابطة ،أو دون المستوى والتي تقدم منتج كارثي في الآونة الأخيرة وتحض الأجيال على الكراهية والعنف وربما تصل بهم إلى بداية طريق الإرهاب والتطرف وكذلك المحتويات المسيئة لأخلاق المجتمع الإسلامي ،والمشاهد المخلة بالآداب وغيرها من العروض التي تسعى لإفساد الأجيال و خلق مجتمع جاهل، فالأطفال عندما ترى هذه الأشياء في بداية عمرها سوف تعتقد أن هذا هو نهج الحياة وأسلوب الممارسات البشرية الطبيعية وربما
تنضج وهي تراه يدخل ضمن إطار الحياة الطبيعية وترى الصواب شاذا بجانبه من وجهة نظرها بسبب اعتيادها على رؤية هذه النتاجات الفاسدة وعدم ارتكاز
الأخلاقيات والمبادئ السليمة في ذهنها، و تفاصيل حياتها والكارثة الكبرى هو أن يتم التعامل مع هذه النماذج على أنهم أبطال، واتخاذهم قدوة من قِبل البعض ،وهنا تكمن المشكلة في الخلط بين الصواب والخطأ ،فيصبح الصواب خطأ والخطأ صوابا ومنبع الشر خيرا ومنبع الخير شرا فنحن مجتمع يحكم على أبنائه بالإعدام مع إيقاف التنفيذ فهل الأجيال سوف تصنع المستقبل على نهج هؤلاء؟!!!!
أنواع الجهل من وجهة نظري:
-جهل جزئي: ويعني عدم إدراك بعض جوانب الموضوع
-جهل كلي: ويعني عدم إدراك الموضوع ذاته
-جهل معقّد: وهو من أخطر أنواع الجهل حيث يعتقد الشخص أنه صاحب علم وفي واقع الأمر هذا العلم ليس له علاقة بالحقيقة ،فهو مجرد خرافات وادعاءات كاذبة ومع ذلك يرفض الاعتراف بجهله ،ويقدم أقاويل عما لا يعلم ولا يوجد أي معرفة سابقة له
نتائج الجهل وآثاره السلبية على المجتمع والأفراد:
-فساد المجتمع وفقدان هويته تدمير الأجيال واللعب في عقولهم
-
--صنع عقول انقيادية تتأثر ولا تؤثر
- إغلاق الباب أمام العقل البشري للتفكير والانطلاق
-انتشار مفاهيم ومبادئ وهمية ومزيفة غرضها هدم المجتمع
-التحكم الخارجي في المجتمع
- تدهور الأوضاع الاقتصادية
- هلاك المنظومة التعليمية بسبب عجزها عن القيام بدورها
- انتشار الجريمة والعنف وخطابات الكراهية
-إنتاج الإرهاب والفكر المتطرف
- انتهاك ثروات البلاد ومواردها البشرية
-انتشار ظاهرة هجرة العقول للفرار من الجهل والتخلف إلى مجتمع يقدر العلم والعلماء -تحول المجتمع إلى آلة في يد المضللِين والمستغلِين
-عجز المجتمع عن اللحاق بمصاف الدول المتقدمة
- انتهاك مبادئ الدين والتعدي على أخلاقيات المجتمع ومخالفة الشريعة الاسلامية
سُبل التغلب على الجهل والتخلف:
-زيادة ميزانية الإنفاق المالي للدول على البحوث العلمية وتوفير مراكز البحوث والأدوات الحديثة للعلماء لتيسير التجارب والعمل عليهم
-العمل على تربية كوادر بشرية تتقن التعامل مع التقنية الحديثة ونتائج البحوث لتطبيقها عمليا فيما يخدم المصالح القومية والنهوض بالمجتمع في المجالات المختلفة
-تيسير سبل التعلم على كافة الأفراد وعدم تحكم الجانب المادي فيها ووجود فرص تثقيفية وتعليمية متكافئة لكل فئات المجتمع
-تفعيل برامج التوعية وكذلك حملات التوعية في الميدان و مناقشة كافة المشكلات الاجتماعية وتنمية الشعور الوطني لدى الأفراد
- استقطاب الكوادر الشابة الموهوبة وأصحاب القدرات المميَّزة و تقديم الرعاية لهم لتحقيق رسالتهم
- تفعيل منصات إلكترونية تهدف إلى نشر التوعية الاجتماعية
-توفير فرص عمل للشباب وتأهيلهم لسوق العمل منذ المرحلة الثانوية و تهيئة المناخ المناسب لهم بعيداً عن الظروف المشحونة بالمخاوف والضغوطات المستمرة
-معالجة الخلل في وسائل الإعلام لتعود إلى القيام بدورها التنويري وتوعية المجتمع بكل شفافية وصدق والكشف عن الحقائق دون تحريف أو تضليل الرأي العام
-تهذيب سلوكيات الأجيال وتوعيتهم بمبادئ الدين الصحيحة و تنمية الشعور الديني لديهم مع قيام دور العباده بدورها في ذلك
-إبعاد النماذج الهابطة التي تجسد أبشع صور العنف والكراهية عن شاشات التلفزيون والمواقع الإلكترونية المختلفة وحظر كافة أعمالهم مع وجود فكر هادف كبديل للأفكار الهدامة لتربية الأجيال على الأخلاقيات السليمة
وصنع عقول بنّاءة تعلم ماذا تريد؟ و إلى أين ستذهب؟ و تستطيع أن تميّز بين الصواب والخطأ، والخير والشر ،والحق والباطل وتخرج آراءها وأفكارها من دائرة الوعي العقلي لبناء مستقبل صالح لها و لمجتمعها وفي الختام يجب أن نعلم أننا نعيش في مجتمع مُلبّد بالغيوم و تحاصره طيور الظلام من كل جانب ،ولا توجد وسيلة أكثر قوة و تأثيرا لانتشال المجتمع من الظلام إلى النور غير العلم فهزيمة الجهل تحتاج إلى عقول واعية تدافع عن هويتها وتحمي مستقبلها.
تعليقات
إرسال تعليق