السودان بين المناورات الدولية والصراعات الإقليمية: قراءة في تحولات المشهد السياسي
بقلم : مختار أبوالخير
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها المشهد السياسي في السودان، تبرز تحولات كبيرة في مواقف الدول الإقليمية والدولية تجاه الخرطوم، خاصة في ما يتعلق بملف سد النهضة الإثيوبي والعلاقات مع مصر. هذه التحولات لا تعكس فقط تغيراً في التحالفات، بل تكشف أيضاً عن صراعات خفية تدور في الخلفية، حيث تلعب الولايات المتحدة ودول أخرى أدواراً محورية في تشكيل مستقبل السودان ودوره الإقليمي.
الولايات المتحدة والسودان: وعود بالعفو ورفع العقوبات
تشير مصادر موثوقة إلى أن السودان حصلت على وعود من الولايات المتحدة بمنحها عفوًا ورفع اسمها من قوائم العقوبات والإرهاب، بالإضافة إلى منحها مساعدات مالية كبيرة غير قابلة للرد. هذه الوعود جاءت في إطار تحول واضح في موقف السودان تجاه سد النهضة الإثيوبي، حيث أعلنت الخرطوم مؤخراً أن السد لن يؤثر سلباً على مصالحها، بل إنها ستستفيد منه عبر استيراد الكهرباء من إثيوبيا. هذا التحول في الخطاب السوداني يثير تساؤلات حول الضغوط والمقايضات التي قد تكون وراءه.
كشف مخطط انقلابي وتدخلات أمنية
في سياق متصل، كشف مصدر أمني رفيع المستوى عن مخطط انقلابي ضد المجلس العسكري في السودان، حيث تم إرسال فريق من ضباط المخابرات المصرية لتدريب نظرائهم السودانيين على كيفية التعامل مع مثل هذه التهديدات. وقد تم كشف وتفكيك شبكة تضم 60 ضابطاً متورطين في هذا المخطط، مما يعكس عمق التعاون الأمني بين البلدين في مواجهة التحديات الداخلية.
السودان بين مصر وإثيوبيا: تحول في التحالفات
تم إقناع السودان بأنها تواجه خطراً حقيقياً من نوايا إثيوبيا، التي يُنظر إليها على أنها تتبع أجندة خارجية تخدم مصالح قوى إقليمية ودولية معادية. هذا التصور دفع السودان إلى التقارب مع مصر، مما أثار قلق الولايات المتحدة، التي لجأت إلى دعم قوات الدعم السريع في السودان كوسيلة لخلق توازن جديد في المنطقة. هذا الدعم الأمريكي لم يكن موجهاً لصالح إثيوبيا، بل كان محاولة لمواجهة النفوذ المصري المتزايد في السودان.
مصر والسودان: شراكة استراتيجية ومشاريع مشتركة
من جهة أخرى، تعمل مصر على تعزيز علاقاتها مع السودان من خلال مشاريع اقتصادية واستراتيجية مشتركة، أبرزها اتفاقية زراعة 3 ملايين فدان بمشاركة 100 ألف أسرة، نصفها من مصر والنصف الآخر من السودان. هذا المشروع يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي وتوطيد العلاقات بين الشعبين. ومع ذلك، تواجه هذه الجهود معارضة من قبل قوى خارجية تسعى إلى إفشالها، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تعملان على تقويض أي تقارب بين مصر والسودان.
سد النهضة وتأثيراته على الأمن المائي
فيما يتعلق بملف سد النهضة، تعمل مصر على تأمين السودان من مخاطر الفيضانات المحتملة الناتجة عن تشغيل السد الإثيوبي. وتشمل هذه الجهود بناء سدود صغيرة لتقليل قوة اندفاع المياه، مما يعكس حرص القاهرة على حماية مصالحها ومصالح السودان في الوقت ذاته.
الخطر الأكبر: محاصرة مصر عبر المليشيات والجماعات المسلحة
الخطر الأكبر الذي تواجهه مصر يتمثل في محاولات محاصرتها عبر إنشاء دول حدودية تعتمد على المليشيات والجماعات المسلحة، بدلاً من الجيوش الوطنية القادرة على حماية الحدود وتأمين العمق الاستراتيجي لمصر. هذه الاستراتيجية تهدف إلى إضعاف مصر وإشغالها بصراعات حدودية من الجنوب والغرب والشرق، مما يهدد أمنها القومي.
**خاتمة**
المشهد في السودان يعكس صراعاً إقليمياً ودولياً معقداً، حيث تتداخل المصالح وتتصارع الأجندات. السودان، التي كانت يوماً ما رمزاً للوحدة العربية، أصبحت اليوم ساحة لصراعات خارجية تهدد استقرارها ومستقبلها. وفي خضم هذه التحديات، تبرز مصر كقوة إقليمية تسعى إلى حماية مصالحها وتعزيز استقرار جارتها الجنوبية، في مواجهة مخططات تهدف إلى تقويض هذا الدور.

تعليقات
إرسال تعليق