القائمة الرئيسية

الصفحات

ظاهرة التخلص من الحياة وتشخيصها وكيفية علاجها


ظاهرة التخلص من الحياة وتشخيصها وكيفية علاجها 


كتب شريف مسعود


إزهاق الروح كبيرة من الكبائر،  وكبيرة خطيرة لأنها في ذاتها خاتمة لا فسحة بعدها للتوبة، ولم يجعل الله تبارك وتعالى الفقر أو المرض أو أي بلاء مبررا أو مبيحا لها أو مقللا من وزرها، لقوله تعالى 

 ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقهم وإياكم أن قتلهم كان خطئا


وأمام كل مبتلى أزهق روحه بيده هناك الكثير ممن هم أشد منه بلاء ولم يفعلوا ذلك أو حتى قاموا بالتفكير به

إنها كبيرة خطيرة، حافظوا على إنكارها وعلى إبقاءها كبيرة في عيون الناس، لأن كثرة التبرير وإظهار التعاطف يزيدها ولا يحد منها


وقال الله تعالى

ولا تقتلوا أنفسكم أن الله كان بكم رحيما


واعلموا أنه لا يوجد معصية لا يمكن تبريرها بالظروف المحيطة، ما الفرق بين من يبرر التحرش والزنا والاغتصاب بملابس البنات وبين من يبرر تلك الظاهرة بالظروف المادية والابتلاءات! وكذلك من يبرر الرشوة والسرقة وغيرها


عندمت تقوم بعمل بحث إجتماعي عن أسباب انتشار ظاهرة سلبية ما طبيعي أن تدرس وتذكر العوامل المؤدية لزيادة هذه الظاهرة وذلك كي تعالج تلك العوامل لا أن تبرر الظاهرة نفسها وتشرعنها


وأنت تحدث من يمارس تلك العوامل، تقول له أنك بذلك تساهم في زيادة ظواهر سلبية أخرى ولا يقف الوزر عندك، فمثلا من ضغط على شخص ماديا أو معنويا بدون وجه حق حتى دفعه للانتحار مشارك في الإثم لكن لا يرفع الإثم عن صاحبه، كذلك من يقوم بأي عمل يساهم في انتشار ظواهر سيئة أو فواحش في المجتمع


لا تعمم الكلام، ولا تكتب وأنت منفعل عاطفيا، فتفاجأ يوم القيامة أنك أنت نفسك قد ساهمت في توسيع انتشار الظاهرة التي ظننت أنك تحاربها أو أنك حزين لأجلها... 


يمكننا تعريف التخلص من الحياة بأنه قتل الإنسان لنفسه وإزهاق روحه باستخدام وسائل عدة، فمن الناس من يفعل ذلك ملقيًا نفسه من إرتفاع شاهق، أو متناولًا لمادة سامة تؤدي إلى الموت، أو مستخدمًا لسلاح أو لأداة حادة قاتلة مثل السكين أو الخنجر أو غير ذلك من الأدوات


وإذا كان التخلص من الحياة في نظر كثير من الدول الغربية ليس جريمة في عرف القانون، فإنه في الإسلام جريمة كبرى، وبلية عظمى وداء عضال


ولا شك في أن التخلص من الروح محرم في كافة الشرائع السماوية وقد أكد الإسلام على تحريمه تحريمًا قاطعًا لا لبس فيه، وفي الحديث الشريف (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا )


وإن علة تحريم تلك الظاهرة شرعا أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الروح التي أستودعها جسد بني آدم، فلا يملك الإنسان من تلقاء نفسه التخلص منها لأنها أمانة عنده، ولأن الله تعالى هو وحده من يحيي، وهو وحده جل وعلا من يميت


وغالباً ما يكون التخلص من الحياة نتيجة لأسباب كثيرة يتعرض لها الشخص قبل شروعه في هذا الفعل، ويمكن القول أن هذا الشخص يعاني من آلام مبرحة تضغط عليه باستمرار وتؤثر على مزاجه ووعيه حتى ترديه فاقداً لصوابه وهذا ما يحصل نتيجة لسيطرة هذه الحالة المرضية على الضحية ما لم تتم المعالجة نفسياً


إذن لابد من التعامل مع الأمراض النفسية بإزاء الأمراض الجسدية من حيث ضرورة معالجتها

بل يمكن القول أن الأمراض والمشكلات النفسية تعتبر في كثير من الأحيان أشد خطورة من الجسدية، لأنها مشكلات خفية ولا يشعر بها إلا صاحبها


ومن الأسباب التي يتذرع بها المنتحرون أو المبررون لهم:


الحالة الإقتصادية السيئة التي تمر بالناس في مرحلة معينة من مراحل الحياة؛ فالوضع الإقتصادي الصعب قد يشكل ضغطا على الأشخاص وخاصة حينما يجدون أنفسهم غير قادرين على تلبية متطلبات الحياة وتأمين قوت يومهم، فيجدون أنفسهم في محك صعب وفتنة كبيرة، فإما أن يصبروا على ذلك ويتحلوا بالإيمان الذي يجعلهم يتجاوزون تلك المراحل الصعبة في حياتهم، وإما أن يجدوا أنفسهم فريسةً للضعف والأمراض النّفسية التي تؤدي بهم إلى التفكير بالانتحار والتخلص من الحياة 


والواقع أن الاضطرابات النفسية والاكتئاب الحاد، وتعاطي المخدرات، وإدمان القمار وما ينجم عنه ويصاحبه من مشكلات، …الخ تمثل أبرز مظاهر الفسيولوجيا المرضية التي يعاني منها المنتحر


والحق أن ضعف الوازع الديني سبب في ذلك كله، سبب في تلك الظاهرة ومقدمات التخلص من الروح مرورا بالاكتئاب والقلق والخوف من المستقبل ثم اليأس... فالوازع الديني الإيمان القوي بلا شك يقي الإنسان من التفكير في ذلك مطلقاً ومهما كانت أسبابه لعلمه بحرمته وجرمه عند الله


مما يحتم على المجتمع والدولة أن تحرص على تأمين الحياة الكريمة للمواطن، وكذلك تقع مسؤولية كبرى على وسائل الإعلام بأن تبث المواد الإعلامية التي تحمل رسائل تربوية وأخلاقية تحث على معاني الصبر والإيمان بعيدًا عن الرسائل التي تبث الخوف في صفوف الناس من المستقبل وتقلبات الزمان


وطبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، في العام الماضي قام بهذا الفعل ثمانمائة ألف شخص حول العالم بحسب قوائم منظمة الصحة العالمية، أي بمعدل روح إنسانية كل أربعين ثانية


والغريب أن دولاً كالسويد وأميركا واليابان في قائمة العشر الأوائل


وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية في العشر التي بعدها


وهذه دول تتمتع بمستوى من الرفاهية يصل حد الخرافة


في حين لا يوجد دولة عربية واحدة ضمن المائة دولة الأولى في معدلات تلك الظاهرة


فعلى الرغم من الفقر والبطالة والظلم الإجتماعي، ما زال فينا بقية من روح، وهذا هو الشيء الوحيد الذي نملكه ويفتقده العالم


نحن رغم كل شيء نعرف من أين جئنا، وإلى أين سنذهب، وأن هذه الحياة ليست إلا مرحلة عمرية من عمرنا الحقيقي، ولولا هذا لإنقرضنا منذ سنوات


مازلنا نرى بائعاً متجولاً إذا حان وقت الصلاة وضع بضاعته جانبا وانتصب على الرصيف مكبرا بطمأنينة من يملك الأرض كلها


مازلنا نرى الشيخ المتهالك على عكازه في الطريق إلى صلاة الفجر يخبرك دون أن يتكلم أنه ليس ألذ من السير إلى الله


مازلنا نرى الأم تفقد أبنها الوحيد، ولا تزيد على أن ترفع كفيها وتقول:


اللهم لك الحمد أنت أعطيت وأنت أخذت


ومازلنا نرى الشباب والصبايا في الجامعات ينتهزون الوقت القصير بين المحاضرتين ليهرعوا إلى المصليات أو القاعات الفارغة ليقولوا: الله أكبر


نحن رغم الفقر، الأكثر ثراء


ورغم الحروب، الأكثر أمنا


ورغم البطالة، الأكثر عملا 


مدينون لهذا الإسلام العظيم الذي سد جوع أرواحنا حين جاعت أرواح، وعلمنا أن نصنع من أيسر المقومات حياة .

تعليقات