القائمة الرئيسية

الصفحات

 

مخلوق لا يخون


بقلم:هبة المنزلاوي 


مررت عليه وهو واقف على أمل خروج صديقه من نفس الباب الذي كان يفتح له ، كلما شعر بالشوق إلى عينيه و إلى مزاحهما وكأنه طفل صغير وهو أبوه الحنون الذي يجري إليه كلما رآه ويرتمي في أحضانه ، ها هو الآن ينتظر، وينقضي العمر سريعا وهو متمسك بذكريات لطيفة كانت تجمعهما ، لم يتخل عنه قط ، مثلما كان له مأوى وصديق كان له ابن بار ووفيّ ، يبحث عنه في كل الوجوه، يخيل إليه أنه يقف أمامه في لحظة مفاجأة، تشفي لهيب الاشتياق إلى حضنه  قائلا له : أنا عُدت إليك لنحيا معا ، أنا عدت إليك لنصبح طفلين تسابق الزمان ، كي تذهب مشقة الطريق برفقتك ، ويعود المرح إلى البيت من جديد، البيت الذي لم تدخله منذ فقدتني ، تركت المسكن والراحة وجئت لتقف على أعتاب المكان الذي تواعدنا على اللقاء عنده ، أناس كثيرة تعرفك فأنت الباقي من عمري ، اقترن وجودي بوجودك ولكنني ذهبت رغما عني ، ولكن أنت قررت البقاء ، قررت أن تصبح مثالا للوفاء ، تحزن الناس لحالك أيها المدلل ، صرت وكأنك أحد أبناء المنطقة الموعودة بذكرياتنا ، تحنو عليك في الشتاء القارس وتحاول اقناعك بأنني لن أعد وعليك البحث عن مكان دافئ تأوى إليه ،وبرغم من اعتراف الوجود كله بنهايتي  ، ظلت عيناك تحضتن ملامحي ، شابَ شعرك ولم تيأس من رؤيتي ، بنيت مسكنا لي ولك في المكان الذي خرجت روحي منه ، نعم أنا أشعر بك يا صديقي وأراقب كل أنفاسك ، أرى الحزن يطفيء وجهك  ويتجمع الدمع في بؤرة عينيك كي يسيل ولكن يمنعه الأمل، أثبت أن لديك قلب قوي لم تفهمه البشر بعد !! لم أذهب هباء يا صغيري  أراد القدر نهايتي حتى تقف في مكانك هذا وتعلم البشر دروسا في الوفاء!! نعم أنت الذي  لا تعقل ولا تنطق ولكنك علمتهم بمفردك معنى الإنسان،  ، أما نحن أين ذهبت عقولنا ؟! أسهل ما لدينا هو خيانة بعضنا ، صفحات الحياة ملوثة بجرح القلوب وغدر الصحاب ، أنت تجلس يا صديقي فوق رأسي عندما تشعر بمرضي وغيرك من -ذوي العقول- يتركون نزف آلامي بلا شعور! ، لم يعد هناك من يفني عمره في إسعادنا أو يضحي من أجلنا ، ولكن الخير مازال حاضرا في آيات نادرة مثلك، يا صديقي! ،  إن العظات في الحياة كثيرة وكان موتي عظة لمن قضى عمره في إفساد المعاني وإيذاء الأرواح، وأنت أيضا ظلت روحك ترفرف في كل مكان ، نسترد منها يقظة ضمائرنا ،  لديك قلب ذهبي يرسم لنا طريق السلام ، نحتوا لك تمثالا في مكان لقائنا وأصبحت مزارا يحيي معاني الإنسان ،  أنت لست ذكرى عابرة ، أنت قصة ستدرس على منابر العلم ،وسيقف  التاريخ احتراما لك ،متعجبا من المجد الذي صنعته بوفائك ، ها هي كل الأيادي تصفق لتحيتك والورود تزين ذكراك ، ألم يحن لنا أن نفيق من سباتنا ؟! ، تخجل الأقلام من عقولنا العقيمة، والنعمة التي وهبها الله لنا ، عار علينا أن نضعها في قبور الأموات ، فانظر إلى عالم  الحيوان!!

تعليقات