فن النصيحة
بقلم : هبة المنزلاوي
لا تقدِّم النصيحة إلا لو كنت أهلا لها
؛فالشخص الذي تثق الناس في نصيحته والأخذ برأيه في الظروف الطارئة واستشارته في شئون الحياة، لابد من أنه ينصح نفسه كثيرا كل يوم و يحاسب ذاته عما فعله في حق نفسه و في حق الناس ،حتى نضجت شخصيته من كثرة التجارب والمواقف التي مر بها والخبرات التي اغتنمها منها لتحقيق استقراره وبناء مستقبله وصار يقدّر الأمور بشكل عادل وحكيم ،ووجود نماذج تعتمد عليها الناس في حل مشكلاتها وإدارة أعمالها بشكل أفضل
ليس أمرا سهلا وإنما هناك مبادئ يجب توافرها لتكون نصيحتك مقبولة وهي:
- كن راضيا عن نفسك أولا حتى يستمع الناس إليك
- احرص على أن تكون نيتك صافية في النصح ، وتذكر أنك ستحاسب كل كل كلمة ستنطق بها ، فإذا أءتمنك أحدهم على سره وطلب مشورتك،فأخلص لدينك وعامل الله في عباده ولا تسعى لتحقيق مصلحة شخصية أو انتظار أي مقابل وإنما اجعل أفعالك كلها لابتغاء وجه الله عزّ وجل ، فالدين الذي رضيّ به الله ورسوله لنا هو النصيحة فقد قال: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: "إنَّما الدِّينُ النَّصيحةُ، ثلاثًا، إنَّما الدِّينُ النَّصيحةُ، إنَّما الدِّينُ النَّصيحةُ، قيلَ: لِمَنْ؟ قال: للهِ، ولرَسولِهِ، ولكِتابِهِ، ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم"
- إياك أن تعاير أحد بذنبه أو عيبه ، فالنصيحة التي تهدف في باطنها إلى الذم و الاستهزاء بالإنسان أو الحط من شأنه فهي ذنب كبير جدا ، فلا تكون بوجهين تدعي النصيحة وأنت تسخر من خلق الله وتؤذيهم
قال تعالى : "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً"
- لا تنصح أحدا بما لا تستطيع فعله لو كنت في نفس الموقف بدلا منه
-لا تقدم النصيحة وفقا لمناخ حياتك وإنما يجب قياسها على ظروف من يحتاجها
-لا تعطي آراء ونصائح فيما ليس لك به علم ، فإن كنت لا تعرف فاصمت احتراما لذاتك وحتى لا تحمل ذنب من استمع إليك
- اضبط أسلوبك عند النصح واعلم أن بين النصيحة والسخرية خيط رفيع!
- لا تنصح أحدا وأنت في حالة غضب حتى لا تسبب له مشكلة جديدة !
- من الممكن أن تنصح أحدا بطريقة معينة لمعالجة عيب لديه وأنت نفسك تعاني من عيوب أخرى ، لأن القيم العامة لا تتغير ولكل إنسان عيوبه ، فربما بنصيحتك تأخذ أجر إرشاد إنسان إلى الصواب وتغيره إلى الأفضل ، فيهديك الله ويعينك على عيوبك
-إياك أن تنصح أحدا بمعالجة عيب لديه ،-وهذا العيب فيك- ، لأن إذا كنت أهلا لنصيحته كان من الأنفع لك أن تصلح عيبك ،فلا تكون منافقا بجانب خطأك !
قال تعالى :"أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ"
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ"
- هناك من يجد دواءه في تخفيف معاناة الناس وكذلك إذا صحت نصيحتك لأحد يوما ما ، ستجد من يرشدك إلى حل مشكلتك بسهولة
-استخدم الكلمات البسيطة اللينة التي تشعر الشخص الآخر باهتمامك به وخوفك على مصلحته
قال تعالى : "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "
-انصح الناس وكأنهم إخوتك فلا تبالغ في حلولك المقترحة ولا تضللهم بما يزود المشكلة تعقيدا ، فلا تقبل عليهم ما لا تقبله على نفسك أو أهلك
-ابنِ علاقتك بمن تنصحه على الثقة والأمانة مما يقرب المسافة بينكما، فتزداد لديه مصداقية نصيحتك
-تذكر مَن أعان الناس في أصعب ظروفهم ، فتح الله له باب الفرج من كل ضيق وهم وبلاء ، فإذا كانت نصيحتك ، ستنقذ أحدهم من مشكلته أو ستجنبه الوقوع في الخطأ فلا تبخل بها عليه
-اختر وقت و مكان النصيحة ، حتى تحقق النتيجة المرجوة ، فمثلا من ينصح أحد وهما واقفان في الشارع أو ينصحه وهو منشغل بمهام عمله أو يقود السيارة ، كل ذلك يؤكد فشل النصيحة قبل النطق بها!
-انتبه إلى الحالة النفسية للمنصوح، فلا تتحدث معه وهو غاضب أو مصدوم لأنه لن يفهم نصيحتك وربما يرفضها تماما ويثور عليك
-حافظ على سرية النصيحة والمنصوح ، لأن الغرض الأساسي هو حل مشكلة وليس التشهير بالمنصوح والتقليل من قيمته أمام الناس
وقد قال الإمام الشافعي: "مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه"
-إذا كانت نصيحتك فات أوانها ولن تغير شيئا في بعض الأحداث القاطعة ، فالأفضل ألا تقولها ، فما فائدة نصيحة قاتل بعدما قتل نفسا ذكية مع توافر كل أركان الجريمة؟!
- اصبر على المنصوح ، ولا تضغط عليه وحاول أن توجه له نصيحتك بحكمة وسلاسة وهدوء حتى يقبل النصيحة
وأخيرا ، إن النصيحة أمانة في أعناق المؤهلين لها ، فانصح أخاك بما يعود عليه بالنفع والخير ولا تخذل من يلجأ إليك إن استطعت مساعدته ، فإذا نجح كل ناصح في منفعة غيره ولو بأقل كلمة تسهل عليه إدارة حياته و التغلب على مشكلاته ،ستقل الأخطاء ويزداد التمسك بالمبادىء ، ستضاء العقول بنور العلم وسنردم مستنقعات الجهل ونهدم سطوة الظلام مما يؤتي ثماره على المجتمع وينقله إلى حال أكثر استقرارا ورفاهية .
تعليقات
إرسال تعليق