القائمة الرئيسية

الصفحات

 

فنُ الكلمة


بقلم : هبة المنزلاوي 


إن الألسنة تنطق بكل ما تريد طوال اليوم ولا تعي من أي حرف ستخرج الرصاصة التي ستحطم حياة إنسان ومن أي حرف ستشرق الشمس وتهب للإنسان حياة ؛  فالكلمات تبدو سهلة تتأرجح هنا وهناك  ولكن في حقيقة الأمر ربما تقتل قلبا أو تحييه، ربما تبني مجتمعا أو تهدمه  ، ومن الممكن أن تنقلنا من حالة الحرب إلى حالة السلام أو العكس! فكل حرف له معنى يصبح أسلوب حياة يؤمن به الآخرون ، فازرع المعاني المثمرة التي تساعد على لم شمل المجتمع  وليس تفرقه وتنازعه ، افتح بالكلمة طرقا لآمال جديدة وعالج بها قلوبا بائسة ، إن خطرها كالسكين الحاد الذي لو وضع على رقبة أحدهم -على سبيل المزاح- لابد  من أن يخر ذبيحا في دمه ! ،فادرس قواعدها جيدا وإيّاك أن تهوش بها دون أن تعرف كيفية استخدامها ، واعلم- يا صديقي -أن الكلمة الطائشة ، سلاح حقيقي ،فيه موت أو حياة ، وليس سلاح أطفال تمزح به دون أي أضرار ولا تنسَ أن بالكلمة يكشف الإنسان عن هويته ودينه ومبادئه وأخلاقياته التي تربى عليها  ، بل أنك تتعرف على أصل أهله وقيمهم من خلال أسلوبه وكلماته، ربما يخدعك أحدهم ولكن في لحظة غير متوقعة،  تنطلق كلمة من لسانه فتخلع عنه قناعه وتكشف كذبه ونفاقه ، وبكلمة واحدة تحرم الزوجة على زوجها!

وهناك عدة معايير لإدارة كلماتك بشكل فعال ومنها:

- كن حذرا  في انتقاء كلماتك ، فيجب أن تتلاءم مع الموقف والحالة المزاجية للشخص الموجهة إليه 

-اختر الكلمات السهلة اللينة في الأوقات الحرجة كي تهدأ الأجواء

 

قال تعالى:"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" صدق الله العظيم 


-لا تطلق لسانك إلا عند الحاجة إليه ووجود مناسبة تدعوك للتحدث 

- قِس عواقب كلمتك قبل النطق بها فهل ستنفع أو تضر؟! وما مدى ضرورتها؟ ، وإذا كانت الخسائر كبيرة ، فافعل خيرا بصمتك 


فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من كان يُؤْمن باللَّه واليوم الآخرِ فَليقل خيراً، أو لِيصمت)


- ‏لا تبخل أبدا بالكلمة الطيبة وجبر الخواطر ولا تطلق لسانك في الإهانة  والسخرية حتى لو كنت على حق


قد أخبرنا الرسول ﷺ _"إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه الى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه"


 

- ‏ابنِ علاقاتك بالكلمة اللبقة ومهد لرحلة نجاحك بأسلوب قيادي و حكيم، يجعل الآخرين يؤمنون بفكرتك 

-اجعل كلماتك تدل على شخصيتك حتى يسهل على الآخرين معرفتك وفهم طباعك

-كن طبيعيا في حديثك ولا تزين الكلمات لدرجة التصنع كي لا تقع في مستنقع النفاق 

-إياك أن تقلل من حلم أحد ، واعلم أنك بذلك لا تحبطه فقط بل تنهي سبب حياته!

-‏ اجعل كلماتك هادفة ، تصلح ما أفسده الآخرون وترمم كسور الأيام

-ادعُ إلى طريق الله بالكلمة الطيبة التي تحبب العبد في ربه ولا تعايره أو تذله بها

-‏استخدم الكلمة بحكمة عند النصيحة،حتى ينتفع بها المنصوح حقا وتبقى حلا صالحا  لكل المواقف المشابهة

- اجعل كلماتك تساند الضعفاء والفقراء وتدافع عن الحقوق الضائعة،اجعلها رسالة باقية إن كنت حيا أو ميتا 

- ‏استخدم الكلمة للتوفيق بين الناس ومصالحة المتخاصمين 

واعفُ وتسامح بها على المستوى الشخصي عند المقدرة

-ازرع كلمات تنتفع بها يوم الحصاد ويسهل عليك الحساب!

- عامل عدوك بأسلوب تربيتك ولا تجعله يحطُّ من شأنك ويصنع من لسانك سما ، حافظ على لسانك من التلوث و جنب نفسك الشبهات

- ‏احصل على ما تريده بحكمة الكلمة وليس بعنفها

- ‏يجب على الآباء إظهار محبتهم لأبنائهم وتشجيعهم بالكلمات كي ينجحوا ويكتسبوا ثقتهم في أنفسهم  دون الاستهزاء بهم أو استخدام كلمات الإحباط واللوم المستمر ؛فالطاقة السلبية التي تبقى في نفوس الأبناء منذ صغرهم هي نتاج لتربية فاشلة!

- ‏لا تخض في أعراض الناس بالكلمات المضللة والساخرة التي تصنع منك وغدا تجرّد من إنسانيته 

- ‏دافع عن نفسك وواجه الإساءة لكن بأدب يحفظ أصل صاحبه 

-احفظ كرامة الغائب من اللغو بالكلمة المخلصة 

- عامِل الأقل منك في المستوي بلطف وامتنان ، مقدرا لجهودهم ، محافظا على ماء وجوههم ، معتزا بدورهم في الحياة ورحلة كفاحهم 

وأخيرا ، من الممكن أن تكون الكلمة دواء يشفي النفوس أو صاعقة تقع فوق الرؤوس ! ، و إن بعض النماذج الإجرامية التي نراها اليوم هي نتاجٌ لغباء اجتماعي ، أساء استخدام الكلمة وألسنة تجري منها الإهانة والسخرية كالسيول ،فسقط الإنسان من على حافة الهاوية  وقرر أن ينقلب على هذا العالم الناقم على كل شيء بلا سبب ، والكلمة أيضا تصنع العالم والطبيب ، وتنتشله من القاع المظلم إلى عنان السماء حيث النجوم اللامعة والهواء المنعش ،  فاجعل أثر كلمتك يعطر النفوس وجهز لما تود قوله بالطريقة التي تحب أن تسمعه بها لو كان لك  ، وإيَّاك أن تشترك في صناعة قُطَّاع الطرق !

تعليقات