قراءة_ في القصائد الوطنية والقومية . في شعر الدكتورة سميرة المرادني
نقدها // هشام شوقي
الشعر ضمير أمتنا العربية منذ القدم وهو حامل آلامها واشواقها وقضاياها ومفاخرها وكما قال سيدنا عمر اذا استعجم عليكم شيء فاطلبوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب نعم الشعر ديوان العرب وهل عرفنا تفصيل حياة العرب قديما الا من الشعر .
المرأة في الشعر العربي لم يكن لها منزلة الرجل لأسباب متعددة منها الحجر على المرأة في التعبير عن مشاعرها كما كان الميدان للفرسان والمفاخر والضرب والطعان لكن لم يبخل التاريخ في تقديم نماذج لشاعرات عربيات خلدهن التاريخ الأدبي مثل جليلة بنت مرة زوجة كليب بن ربيعة ومثل الخنساء ومثل الأميرة ولادة بنت الخليفة المستكفي في العصر العباسي
أمتاز شعر المرأة قديما وحديثا بالعذوبة والسلاسة اللغوية والبلاغية مع قوة العاطفة .
مثلا جليلة بنت مرة تكتب قصيدة رائعة خالية من الغموض اللفظي والبلاغي بعد طردها من عزاء زوجها كليب المقتول واخوها جساس القاتل مطلوب دمه من الزير سالم اخو كليب قمة المأساة الإنسانية تقول جليلة بنت مرة
((يشتفي المُدرك بالثأر، وفي
درَكي ثأري ثُكلٌ مُثكلي
إنني قاتلة مقتولة
ولعلَّ االله أن يرتاح لي!))
هل توجد بلاغة شعرية خالية من التعقيدات اللفظية والبلاغية والأسلوبية مثل هذا الشعر؟ هل توجد افكار دقيقة مسلسلة ومرتبة افضل مما كتبت جليلة ثم القوة الإيمانية لديها بتفويض الأمرإلى لله مع
ان العصر جاهلي قبل ظهور الإسلام .
والخنساء شاعرة مخضرمة كتبت الشعر في العصر الجاهلي والاسلامي وهي صحابية جليلة وسميت الخنساء لقصر انفها وارتفاع ارنبتيه لقد قتل الأعداء من اخوتها ( معاوية وصخر) وظلت ترثيهما حتى ماتت في خلافة سيدنا عمر
تقول في رثاء صخر
((وإن صخــرا لمقــدام إذا ركبوا *** وإن صخــرًا إذا جاعـــوا لعقـار
وإن صخــرا لتأتــم الهداة به *** كــأنــه عـلــم فــي رأســـه نـــــار
حمال ألويـة هبـــاط أوديـــة *** شهــاد أنـديـــة للجـيـــش جــــرار))
نلاحظ ان الخنساء اكثر جرأة في استخدام ادوات الشعر من اللفظ الحزيل والكنايات والتشبيهات البلاغية من جليلة بنت مرة لكن الأسلوب يمتاز بالسلاسة والوضوح .
والأميرة ولاة بنت الخليقة المستكفي عندما تغازل الأمير ابن زيدون في الأندلس تقول :
((اغار عليك من عيني حبيبي
ومنك ومن زمانك والمكانِ
ولو أني خبأتك في عيوني
الى يوم القيامة ما كفاني ))
ما اروع هذا الأسوب وسلاسته وقوة عاطفته وتأثيره على النفس .
هذه المقدمة هي استعراض لأسلوبية السبك الشعري عند أشهر شاعرات العرب .
شاعرتنا القديرة واقول القديرة لا مدحا ولكن لقدرتها الشعرية البارعة في تطويع ادوات الشعر وتحويله الى سبائك لغوية توزن بالذهب في ميدان الكتابة انها الشاعرة ((سميرة المرادني )) سميرة المرادني لم تكتف فقط بتجويد أدبها وتقديمة في شكل متميز بل كلفت نفسها بجمع الشعراء حولها وتقديم أدب عربي رفيع المستوى في وسائل التواصل الإجتماعي هي شاعرة الوطن والعروبة و المجمع وهي شاعرةالأمة وهي الشاعرة الإنسانة وشاعرة القضايا الكبري
وفيها تحمل الشاعرة آلآم وآمال وطموحات الأمة العربية من الشام إلى بغداد إلى القدس تنسجم الشاعرة وتتوحد بهموم وقضايا اوطاننا في شكل شعري متميز مليء بالإبداع الشعري الثري بالعطاء.
١: ((الشام ))
القصيدة
" شآمُ القلب"
سَلْ عُدوَةَ الوَادي و رَوضَ ودَادي
وَسَلِ الرّوَابي عَن جُموحِ فُؤادي
سَلْ ياسَمينَ الدّارِ أينَ عَبيرُه
سَلهُ الأَريجَ و فَوحَه المُتهَادي
سَلهُ الأمَاسي والنّشيدَ تزُفّهُ
قَمريّةٌ في فَرعِها المَيّادِ
سَلْ مَملكَاتِ الشّوقِ حينَ يشُدّها
عَبقُ الأحبّةِ في رُبَى الإنشَادِ
الشّامُ زنبقُها يسَافرُ في الدّنى
حُرّا يَهيجُ قرَائحَ القُصّادِ
والشّامُ نرجسُها يرَفرفُ في المَدَى
بأريجِه ويجُوبُ كلّ بلادِ
واليَاسمينُ سَلوه كَم من ضَوعةٍ
عبقَت على الآكامِ والأنجَادٍ
وسَلوا..سَلوا المَاضي عن الكِينَا التي
تُهدَى من الأجدَادِ للأحفَادِ
صُوَرٌ على البطحَاءِ شَعَّ بريقُها
بمباهجِ الخِلّانِ والأندَادِ
و ترَبّعَت في صَدرِ حُلمٍ عَبرةٌ
لا أُنسَ يَجلوهَا مِن الأحقَادِ
و تعودُ رُوحي مِن مَرَافئِ رحلةٍ
أبحَرتُ فيهَا فَوقَ كلّ تلَادِي
أتُرَاكَ يا جَبلَ المَحبّةِ ذَاكرا
أُنسي وحُزني..؟قاسيونَ بلَادي!!
في غُوطتَيكَ تقلّدَت لغةُ السّنا
حُللَ الجَمالِ عَلى مُتُونِ جيَادِ
والآهُ في بردَى أردّدُ مُدنفَا
آها تقطّعُ مَنعةَ الأصلَادِ
والنّارُ تُسجَرُ من منَابتِ أدمُعي
والسّهدُ يحصُدُ غَلّةَ الأجوَادِ
يامَنْ بَكيتُم حينَ أبكَاني النّوَى
مَن ذا يُعيدُ رَوائحَ الأكبَادِ
تنسَابُ من ذَاك الثّرى نسماتُهم
لتَذودَ عنّي هبّةَ الأحقَادِ
يا قبرَ أمّي كيفَ أروي تُربَه
أبتَاعُ آسَا في ضُحَى الأعيَادِ!!
والأهلَ والخِلّانَ كيفَ سَألتقي
بمَرابعِ الأحزَانِ والإسعَادِ
يا شَامُ!! ياوَجهَ الزّمَانِ ونبضَه
يا شَهقةَ الآمادِ والآبَادِ
قد كُنتِ مُنطَلقي وغَايةَ رحلتي
وإليكِ كانَت أوبَتي ومعَادي
سَأعودُ من أسري وهَذي عُدّتي
حرفٌ بشَفرتِه أخوضُ جلادي
أعلنتُ أنّ الحَرفَ عندي خِنجرٌ
جرّدتُه لضمَائرِ الأوغَادِ
في هذا النص الجميل الماتع نلاحظ ان الشاعرة ممتزجة بالأرض والوطن في تفاصيله الطبيعية والمجتمعية استخدمت الفعل (سل ) يستخدم في اول الكلام والفعل (أسأل )يستخدم بعد العطف بالواو وفي داخل الكلام ومثله الفعل (مُرْ وأمرْ ) ونلاحظ الشاعرة استخدمت الفعل (سَلْ ) في اول البيت الشعري وبعد الواو العاطفة ولكن يحق للشاعر ما لايحق لغيره في البناء الشعري من رخص الضرورات الشعرية لكن من ناحية الدقة اللغوية فإن سل تكون ابتداء في الكلام إن الحالة الشعرية التي سيطرت على الشاعرة وجعلتها تمتزج بالشام جعلها تطلب من سامعها ومن لا يعرفها ان يسأل عنها تلك المفردات (( سل غدوة الوادي _ سل الروابي _سل ياسمين الدار _ سلهُ الأريجُ_
سلهُ الأماسي _ سل مملكات السوق - وسلوا سلوا ))
استخدمت الشاعرة الفعل الأمر سل أكثر من ثماني مرات في النص صريحا ومعطوفا على جملته بفعل الامر( سل )المحذوف بعد العطف في قولها ( روض ودادي )(وفوحه المتهادي )الفعل سل مقدر بعد اداة العطف (الواو ) تقول الشاعرة ان لها ذكرى وفعل وحدث وشوق وحضور سرمدي في مفردات الوطن تخبر عنها وعن شموخها وعزتها بنفسها وبوطنها وليس فكرة طرح السؤال بجديدة في الشعر العربي قديما ((قفا نبك ))((وياصاحبي )) ((لعمري ))
(لا أبالك ) لوازم شعرية متعددة يستوقف الشاعر صاحبه في خياله ويحاوره ويطلب منه وكذلك الشعر الحديث ظهرت فكرة السؤال يقول شوقي امير الشعراء في رحلة المنفى في سينيته الشهيرة
((وسلا مصر هل سلا القلب عنها ) ونلاحظ ان امير الشعراء شوقي جاء بالفعل سل بعد الواو ولم يقل واسألا لكي يتوافق (سلا وسلا ) في السجع مع اختلاف المعنى الأول سلا أمر بمعنى أسألا للمثنى والثاني سلا بمعنى بعد وجفا وشاعرتنا فعلت مثلما فعل شوقي امير الشعراء في استخدام (سل )بعد العطف وقلنا يجوز للشاعر ما لايحوز لغيره الفعل صحيح وفكرة البدء به وعدم استخدام الصيغة داخل الكلام ان صح في الكلام العادي غير ملزم الشاعر بهذه القاعدة وليست هذه جرأة على اللغة وانما توسعة في اسلوبية البناء الشعري .
وقد ورد فعل الأمر في القرآن
الآية: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وإنا لصادقون )) ٨٨يوسف .
((سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴿٢١١ البقرة﴾)) الفعلان وردا في القرآن مرة محذوف الهمزة للتسهيل ومرة بالهمزة على الأصل .
وتكرار الشام بصفاته سرد شعري يعمق ويؤكد ان الشام هي ماثلة حاضرة داخلة في قلب وعقل ووجدان الشاعرة تنتقل الشاعرة في ديباجيتها الشعرية الى الجملة الوصفية ((والشام نرجسها يرفرف في المدى )
((والشام زنبقها يسافر في الدنى )
((في غوطتيك تقلدت لغة السنا ) الغوطة وجمالها وشذا النرجس والزنبقات عالم من سحر الجمال للمكان يسيطر على الشاعرة
والنداء أسلوب كان له حضور ثري في بناء المشهد الشعري للنص وتعميق النص من المشاهدات والمرآئي الى ذاتية الشاعرة في منادة جبل المحبةجبل قاسيون المدفون في قمته الشاعر محي الدين بن عربي الشاعر الشهير صاحب الفتوحات المكية و قبر امها رحمها الله
لاحظ أساليب النداء
((أتُرَاكَ يا جَبلَ المَحبّةِ ذَاكرا
أُنسي وحُزني..؟قاسيونَ بلَادي!!))
المكان يحضر بشكل قوي في بنية النص ويحيل للتاريخ للحضارة لمرتع الصبا للذكريات حلوها ومرها
وهنا تذكرنا بأمير الشعراء احمد شوقي في مسرحية مجنون ليلى
((جبل التوباد حياك الحيا وسقى الله صبانا ورعى
قد يهون العمر الا ساعة وتهون الأرض الا موضعا ) اي ساعة لقاء الحبيب وفي موضع لقاء الحبيب ( الجبل) وهنا( قاسيون) ايها الشاهق عبر القرون هل مازلت متذكرا افراح الشاعرة واحزانها وانت كنت مقاسما لها في هذه المشاعر نعم عندما يصل المرء الى المكان لايبخل المكان في نشر أرشيف الذكريات في خيال الإنسان وكأنه فيلم سينمائي من الفلاش باك . الاسترجاع والتداعي للذكريات . ونهر (بردي) يحمل ايضا نصيبا كبيرا من المشاعر ولكنها مشاعر حزينة تسيطر عليها الآه التي تفتت الصخر .
((والآهُ في بردَى أردّدُ مُدنفَا
آها تقطّعُ مَنعةَ الأصلَادِ))
ويعود المكان في درجة شديدة الخصوصية وهي قبر الأم مكان مساحته المكانية قليلة في الأرض ولكن قيمته الإنسانية تعادل الدنيا وما فيها إنه قبر الأم عليها السلام واسكنها الله فسيح جناته
((يا قبرَ أمّي كيفَ أروي تُربَه
أبتَاعُ آسَا في ضُحَى الأعيَادِ!!))
والزمان بوجه السرمدي حاضر في النص الشام نبض الزمان ودقات عقاربه
((
يا شَامُ!! ياوَجهَ الزّمَانِ ونبضَه
يا شَهقةَ الآمادِ والآبَادِ))
تأمل هذا البيت في أناة به مشاركة الأحبة والأهل والأصدقاء والأزمنة والأماكن مع آلام ومعاناة الشاعرة لكن كما تقول من ذا يعيد روائح الأكباد ؟
(يامَنْ بَكيتُم حينَ أبكَاني النّوَى
مَن ذا يُعيدُ رَوائحَ الأكبَادِ)
لعلنا لاحظنا ان النص كان متحفظا في اوله مغرما بالسؤال عن الشاعرة ولكن لم تتمالك الشاعرة بدلا من السؤال فقدمت نموذجا رائعا لعلاقة الإنسان بالوطن في بعد ذاتي داخلي ليس تغني بمجد قديم وليس بكاء على نكسات الواقع وانما قالت الشاعر الكلمة الفاصلة شعرا انها جزء أصيل من بنية الوطن ومفرداته بما تحمل من هموم وآلام وآهات وذكريات
تنوعت أسلوبية البناء الشعري ففي سياق الأمر وجدنا من هذه الأغراض:( الدعاء، الالتماس، التمني،) مجتمعة في موقف السؤال وفي موقف النداء وجدنا التعظيم والتمني والتحسر .
الموسيقي جاءت الموسيقى ظاهرة جلية في ايقاع بحر الكامل الخليلي على صورته التامة متفاعلن ست مرات وهو اطول بحر له وحدات صوتية فكان ملائما للجو الشجني الحزين الذي سيطر على تفاصيل كثيرة من النص ومن الموسيقي الواضحة الرنانة القافية الدالية بروي مجرور وحركة كسرة الجر تعادل نصف حرف الياء وجاءت مشبعة اي ياء كاملة فكانت مناسبة لوقع الألم والمعاناة والتوجع في محراب الوطن .
٢: بغداد
القصيدة
" بغداد لاتتألمي"
بَغدادُ!! تيهي فَوقَ هَامِ الأنجُمِ
دَانَ الوجُودُ لعهدِكِ المُتقدّمِ
مَن مثلُ شَعبكَ يا عِراقُ مُجَاهدٌ
قَادَ المَواكبَ للّقاءِ المُلهمِ!!
منكَ المعَارفُ والعُلومُ تخطّها
وتبثّها في كُلِّ ليلٍ مُعتمِ
وطَلَعتَ من فَجرٍ تبدّدُ ظُلمةً
وطَفقتَ تسقي من مشَاربِكَ الظّمي
أنتَ المُفكّرُ.. ذى شَهادةُ شرقِنا
أبهَرتَ غَربا زاعمَا لتَقدُّمِ
من عُمقِ صَمتي قد هَتفتُ ومَا أنَا
إلّا صدىً من خَافقٍ مُتألّمِ
أسَفي عَلى عُربٍ تَكيدُ حضَارةً
أهدَت إلى الأكوَانِ كلَّ تنعّمِ
نَزفا أعيشُ وما بنَزفي طَاقةٌ
إلّا إلى الإصرارِ.. هيّا فاسحَمي
تلكَ الوُجوهَ وردّدِي ياشَمسَنا
إنّي أنا الإعصارُ ..فلتتقحّمي
بغدادُ!! يا دَرعَ البُطُولةِ والسّنا
أنتِ الكَلامُ جميعُه فتكلّمي
زُفّي إليّ الحُلمَ في أغرُودةٍ
ولقاسيونَ تمَوسقَا فلتَسلمي
من جلّقِ الخَيراتِ أُرسلُ قبلتي
للرّافدَين ومَن هَواهُم في دَمي
ما أنتِ إلّا الوعدُ يُخلقُ يَافعَا
يخطُو عَلى النّهجِ السّويّ الأقوَمِ
ولسَوفَ ينزَاحُ الظّلامُ وتنجَلي
سُحبُ الأسَى فتهلّلي وتبسّمي
منكَ المعَارفُ والعُلومُ تخطّها
وتبثّها في كُلِّ ليلٍ مُعتمِ
الشام والعراق هما مقر الخلافة والحضارات القديمة والامجاد والحضارات وهما أرضا الفتوحات وبوابتان للعروبة على أوروبا وآسيا في الشام رأينا سيمفونية شعرية تجلت فيها الشاعرة وفجرت كوامن شعرية ذايته في الزمان والمكان لكنها في قصيدة بغداد لا تتألمي تنتقل من هم الذات الى هموم الوطن العربي الأم فتصدح وتغني من اجل بغداد وتفخر بها وتحلم لها وتتمنى لها ان تكون سعيدة هي وأهلها لنحلل ما
في هذا الأبيات نداء الى بغداد أرض الحضارة أن تتيه اي تفخر بماضيها وحاضرها وان تزهو بنفسها وترتفع أعلى من النجوم لأن الوجود دان لحضارتها القديمة نعم هي مقر الخلافة ومقر العلم والعلماء والأدباء ولها فضل على البلدان في نشر علوم الدين واللغة والأدب والموسيقى وغيرها لها ان تتصدر الريادة
في البيت أسلوبية الشاعرة متوهجة
تنادي بغداد بدون اداة نداء وكأنها تقول إن كنت بعيدة في المكان فإن مقرك في القلب والقريب لا يحتاج اداة النداء انما هي اداة للتنبيه وانت لا تحتاجين الى تنبيه والفعل (تيهي )أمر يدل على الفخر بماضي بغداد المجيد في المعارك والبطولات منذ فجر التاريخ . وكلمة (دان ) فيها تقرير بفضل بغداد على غيرها قديما
الجملة الشعرية سلسة لا تحتاح الى الا إلى ما قالته الشاعرة في كثير من الأبيات فلا يوجد غموض لفظي ولا يوجد تكلف بل هو الشعر يتدفق سلسلا في عذوبة ورقة . في تقرير صفات مجيدة لبغداد وانها منارة الفكر والحضارة للغرب قديما .
في أسلوبية النص نجد الأفعال الأمر
((تيهي _ تكلمي نلاحظ صيغة الأمر قليلة في هذا النص وسيطرت الأفعال الماضبة والمضارعة على مساحات كبيرة من النص الأفعال الماضية كانت ملائمة للحديث عن ماض مجيد للعراق والأفعال المضارعة فيها ديمومة واستمرار للحدث وكأن الماضي حل حاضرا
((ما أنت إلا الوعد )) أسلوب قصر وحصر
(ولسوف ينزاح الظلام وينجلي ) توكيد باللام للحرف سوف المتعين للاستقبال وفي البيت بشرى سارة للعراق لأنها ستعود الى امادها القديمة ان شاء الله في المستقبل .
((من عُمقِ صَمتي قد هَتفتُ ومَا أنَا
إلّا صدىً من خَافقٍ مُتألم))
هذا البيت به ألم وحسرة على الحال الحالي من غياب الأمجاد والريادة لذا كان التفاؤول والبشرى في قول الشاعرة (ولسوف ينزاخ الظلام وينجلي )
( عمق صمتي) استعارة مكنية صورت الشاعرة الصمت ببحر عميق حذفت المشبه ودلت عليه بصفة من صفاته والاستعارة عند البلاغيين أبلغ في التعبير من التشبيه وانها تشبيه حذف أحد ركنيه مع وجه الشبه مع بقاء قرينة في السياق
((من جلّقِ الخَيراتِ أُرسلُ قبلتي
للرّافدَين ومَن هَواهُم في دَمي))
في البيت تحية وقبلة من الشاعرة لبلاد الرافدين وتقرير بحبها الكبير لهم ونحن مع الشاعرة في هذه المشاعر العروبية النبيلة
الموسيقى في النص كانت على البحر الكامل الصورة التامة متفاعلن مكررة ست مرات والقافية الميم المجرورة
٣: فلسطين
القصيدة
في ذكرى النكبة الفلسطينية..
" فلسطين لنا"
ياقبلةَ الطّهرِ أرسَت فيَّ إيمَانا
أضحَت بحقٍّ لأهلِ الدّينِ عُنوانَا
قدسُ القَداسةِ والآمَاقُ مَسكنُها
فكَم حبَاها إلهُ الكَونٍ تحنَانا
ياغَصةً زُرِعَتْ والعينُ مُغمضةٌ
هل في ثَراكِ يباعُ الطّهرُ ألوانا ؟
أرضٌ مبَاركةٌ إذ كنتِ قِبلتَنا
والمَجدُ أورثَها عزّا وتبيَانا
مسرَى النّبي رعَاكِ اللهُ من قِدَمٍ
فهلّلي واشمَخي..واستأنسي الآنا
لمجدِ شَعبكِ أسفَارٌ مطوّلةٌ
أقلقتِ طَاغيةً...جرّعتِ أحزَانا
الدّهرُ يومَانِ إن بانَت ركائبُه
يومُ الهناءِ ويومٌ فيه أضنَانا
يا آلَ صهيونَ !! يا أنذالُ مابكمُ
أزبدتمُ غضَبا ظلمَا وعدوَانا
عيسى ابنُ مريمَ والتّوراةُ قد عجِزا
أن يجعَلا فيكُمُ خيرا وإحسانا
تكالبَت أممٌ كي تَركعي ضِعةً
كأنّ اِسمَكِ صارَ اليومَ شَيطانا
عيسى ابنُ مريمَ والتّوراةُ قد عجِزا
أن يجعَلا فيكُمُ خيرا وإحسانا
لكنّهم خَسئوا فاللهُ شرّفَها
بالمَجدِ والخُلدِ أزمَانا وأزمَانا
فلسطين أرض المسجد الأقصى مهد الديانات أرض المعاد مسرى النبي كانت محط انظار الناس للحج والصلاة قبل الاسلام
لذا تناديها الشاعرة ((يا قِبلَةَ الطهر ))
((أضحت بحق لأهل الدين عنوانا )) نعم انها مقدسة من الله لا فضل ولا منة من البشر وما قدسه الله دنَّسه العباد لك الله يا فلسطين .
ان الحال المؤلم لفلسطين وشعب فلسطين غصة مرة في حلق وكبد كل عربي
حر ونجحت الشاعرة وكانت موفقة في استخدام لفظة ((غصة )) وغفلة العرب
((ياغَصةً زُرِعَتْ والعينُ مُغمضةٌ
هل في ثَراكِ يباعُ الطّهرُ ألوانا ؟))
لا يمكن الحديث عن فلسطين الا بذكر الصهاينة وهي منظمة عالمية نجحت في احتلال فلسطين باسم الدين وسموا انفسهم يهودا والديانة اليهودية لا تقر اشياء كثيرة مما يفعله الصهاينة وهي جرثومة بشرية اقرت بوجودها منظمة الامم المتحدة قبل حرب ١٩٤٨ وان تكون فلسطين مقرا لهم .
((يا آلَ صهيونَ !! يا أنذالُ مابكمُ
أزبدتمُ غضَبا ظلمَا وعدوَانا))
في البيت هجوم على العدو المحتل ووصفه بالحقارة والأندال والعدوانية وهذه حقائق والبيت وصف صريح لهذا الكائن الدخيل على الأرضي المقدسة .
والنداء في(( يا آل صهيون )) للبعيد في المكان وكأنهم لايسمعون ويحتاجون إلى الملايين من ادوات النداء ربما يسمعون وآل هم جماعة وعصابة كالآل وليسوا حقيقة آل ولكنهم أهل القتل والمجازر والاحتلال والاغتصاب .
وتشير الشاعرة الى مريم البتول وسيدنا عيسى عليه السلام والتوارة لم تصحح سلوك اليهود المعتدين منذ القدم واليهود قاموا بصلب المسيح واعدامه اي احسان مع قتلة الأنبياء
((عيسى ابنُ مريمَ والتّوراةُ قد عجِزا
أن يجعَلا فيكُمُ خيرا وإحسانا))
ومع تكالب الأمم وتصارعها من أجل احتلال هذا البلد المقدس الا ان الله عظمه ازمانا وأزمانا كما ختمت الشاعرة نصها
(لكنّهم خَسئوا فاللهُ شرّفَها
بالمَجدِ والخُلدِ أزمَانا وأزمَانا)
الموسيقى الظاهرة في النص على ايقاع بحر البسيط المركب
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن مكررة مع قافية النون المفتوحة .
لقد حلَّقنا مع شاعرتنا (سميرة المرادني )
بأجنحة الشعر والقافية ورأيناها بارعة في حمل هموم وطننا العربي الكبير وهموم ذاتها من الشام الى بغداد الى فلسطين وهي شاعرة ممتلكة لأدواتها بشكل رائع مهتمة بقضايا الأمة والمجتمع تنتمى لما نسميه مدرسة الفن للحياة .
تعليقات
إرسال تعليق